السبت، 16 يناير 2010


وأنت تجوب شوارع العاصمة الرباط

وأنت تجوب شوارع العاصمة الرباط، تصادفك وبشكل شبه يومي قافلات من المسيرات الإحتجاجية لحاملي الشواهد العليا في مختلف التخصصات. فتستوقفك الأشكال النضالية التي يخوضها هؤلاء الأطر، وأول ما يشدك نحوهم اللباس الرسمي الذي يوحد أعضاء كل مجموعة ليميزهم عن باقي أعضاء المجموعات الأخرى، بالإضافة إلى الكتابات المنقوشة عليه والتي تقدم تعريفا بالمجموعة ومؤهلاتها ومطالبها المدعومة بالدليل والبرهان.

وما أن تقترب منك القافلة حتى تزداد قوة الجذب نحوها، بفعل ما تخلفه الشعارات التي يرددونها من أثر في سمعك وقلبك، شعارات يعزف فيها المعطلون على كافة الأوتار الحساسة، بين شعارات تعزف على وتر الحماس لتحث على الصمود والنضال لإنتزاع الحقوق، وشعارات تعزف على وتر الشجاعة لمواجهة كافة أشكال القمع والمنع، وشعارات تعزف على وتر الإنتقاد إحتجاجا على المقاربة الأمنية الفاشلة في كسر الهمم، وشعارات تعزف على وتر الحوار في شكل إلتماسي إستعطافي موجهة للحكومة عساها تستجيب للمطالب والحقوق، وشعارات تعزف على وتر التظلم لحشد دعم الرأي العام لقضيتهم.

كل هذه الألوان الموسيقية المنبعثة من القافلة الإحتجاجية للمعطلين، تلقي بثقلها على قدميك فتمنعك من التحرك وتدفعك مرة أخرى إلى الإستمرار في مشاهدة تطورات الوقفة الإحتجاجية، لتفاجأ بعد لحيظات أن هذا الحفل الموسيقي سرعان ما يتحول إلى مطاردة بوليسية، يتعرض لها المعطلون بمجرد الوصول إلى شارع محمد الخامس، وأحيانا قبل إنطلاق المسيرة من مقر الاتحاد المغربي للشغل، وإن حالفهم الحظ وتمكنو من الوصول إلى قبة البرلمان، فإن الأمر يتطور إلى مشهد درامي دموي ترى فيه الساحة الخضراء لشارع محمد الخامس عوض أن يغطيها الحمام، تصبح مغطاة بالجرحى والمصابين والمعطوبين وفاقدي الوعي، ولجان طبية تحاول تضميد الجراح وتقديم الإسعافات الأولية إلى حين وصول الإسعاف التي قد تأتي وقد لا تأتي، وقد تأتي ولا تكفي لإستيعاب جميع المصابين، في هذه الإثناء ترتفع أصوات باقي المعطلين بالتنديد والتهديد بمزيد من التصعيد في حال إستمر الوضع عليه ماهو عليه.

بالموازاة مع هذا المشهد، تتدافع في مخيلتك مجموعة من الأسئلة الإستنكارية والتعجبية حوال هذه الوضعية التي تتكرر يوميا دون معالجة؟ وأي قدرة وإرادة هاته التي تدفع هؤلا ء الأطر لتحمل مشاق السفر الطويل يوميا، ومصاريف تنقلهم وإقامتهم ومؤونتهم؟ وكيف يتحملون قمع السلطة لهم وتماطلها في حل مشكلتهم، وطول سنوات الإنتظار دون كلل أو ملل؟

إن الإطلاع على كواليس هؤلاء الأعضاء وقصة كل واحد منهم، تفسر وتجيب عن كثير من الأسئلة التي قد تروج في ذهنك، قصص تختلف من واحد لآخر، فمنهم من عاش في الفقر حتى النخاع، وتحملت عائلته الجوع والعري في سبيل أن يدرس ويرتقي، ليوقف صبيب التعب والمشقة وينتشلهم من جحيم الفقر إلى نعيم العيش الكريم بعد التوظيف.

ومنهم من عاش في النعيم والصفاء، وحصل على الدبلوم ليوظف ويكمل حياته في سلام، لكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن، فضاق به الحال وفقد الأمل في مباريات التوظيف، ولم يجد بدا ولا بصيص أمل إلا في مجموعات المعطلين، فباع ما إمتلكه في أيام الرخاء لينفقه أمام مقر البرلمان، عله يوظف فيعود إلى ماكان عليه في السابق، متحملا قساوة الشتاء وحرالصيف وبؤس التشرد في الشوارع ورعب المبيت في محطات القطارات.

ومنهم من ترك الأهل والأولاد والأزواج الذين ضحو معه بالمال والوقت ليحصل على الدبلوم، وتركهم مرة أخرى متوجها إلى العاصمة لإنتزاع حقه في التوظيف، ليعوض ما فات من المال والايام.

ومنهن من تركت حليبها في فم رضيعها وصوت صرخاته يصل أذنيها عبر الأثير، آملة أن يعود إلى صدرها مطمئنة على مستقبله الذي تسعى الى تأمينه له بعد التوظيف.

قصص تختلف وتختلف، ولا تنتهي فتكتشف في نهاية المطاف أن كل من تراهم أقوياء أمامك صامدين أمام الضرب والقمع، هم أمل هذا الوطن، ومستقبل أجياله القادمة، وتكتشف أن مصدر قوتهم نابع من إيمانهم بضرورة رد الجميل للأهل الذين تعبو في سبيل تعلمهم، ورد الجميل للوطن الذي إحتواهم، فقد حان دورهم ليضحو ويستثمرو مكتسباتهم للنفع والإنتفاع.

وبينما أنت في خلوة مع نفسك على رصيف شارع محمد الخامس، تاركا العنان للمشاهد وحالة المعطلين وهي تجيبك عن سبب تحمل المعطلين لقمع السلطة لهم، تنتهي الوقفة الاحتجاجية للمعطلين وينصرف كل إلى حال سبيله، إستعدادا ليوم آخر من التحدي والصمود والنضال، تنصرف أنت بدورك وأنت تحمل في جعبتك سؤالا عريضا: إذا كان المعطلون حاصلون على شواهد عليا وحقهم في الإدماج الفوري والمباشر في الوظيفة العمومية يقره الدستور والقرارين الوزاريين، وإذا كانت الوزارات تعاني من خصاص كبير في الموظفين فلماذا تتماطل السلطة في توظيفهم ؟ لتنصرف هذه المرة دون جواب مقنع .

سمية قجاج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق